كتبت نسرين مالك أن الكارثة في مدينة الفاشر بإقليم دارفور السوداني تجري في وضح النهار منذ ثمانية عشر شهرًا، حين حاصرت قوات الدعم السريع المدينة قبل أن تسيطر عليها الأسبوع الماضي. بعد السقوط، اندلعت مجازر مروّعة؛ قُتل نحو 500 شخص في مستشفى للولادة وحده، بينهم مرضى وذووهم، وتحدث ناجون عن إعدامات ميدانية. صور الأقمار الصناعية رصدت بقع الدماء التي غطت الأرض، في مشهد دفع مراقبين لمقارنة ما حدث في الساعات الأولى بسقوط الفاشر ببدايات إبادة رواندا.

 

ذكرت الجارديان أن المدينة المحاصرة كانت مأوى لمئات الآلاف من المدنيين الذين عانوا الجوع والعطش، وأن من حاول الهرب واجه القتل أو الاغتصاب، بينما عاش من بقي على بقايا علف الحيوانات. سقوط الفاشر يمثل نقطة تحول خطيرة في حرب السودان التي دخلت عامها الثالث بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. الطرفان كانا حليفين بعد ثورة 2019 التي أطاحت بعمر البشير، قبل أن ينقلبا على المدنيين ثم على بعضهما. الدعم السريع، الذي أسسه البشير من ميليشيات الجنجويد، تطور إلى جيش موازٍ يمتلك ترسانة ضخمة وتمويلًا وشبكات إمداد خارجية، لتتحول المواجهة في 2023 إلى صراع بين جيشين كاملين.

 

منذ ذلك الحين، نزح ملايين السودانيين، وقُتل ما لا يقل عن 150 ألف شخص، واحتاج أكثر من 30 مليونًا إلى مساعدات إنسانية عاجلة. ومع ذلك، تبقى الأرقام عاجزة عن وصف انهيار البلاد وتدمير بناها التحتية، خاصة في دارفور حيث شنّت قوات الدعم السريع حملة تطهير عرقي ضد السكان غير العرب.

 

بعد سيطرتها على الفاشر، أحكمت قوات الدعم السريع قبضتها على غرب السودان. كانت قد فقدت الخرطوم بعدما استولت عليها بداية الحرب، فوجهت نيرانها نحو دارفور لتنتقم من المجتمعات غير العربية. في وقت سابق هذا العام، هاجمت أكبر مخيم للنازحين في السودان وذبحت مئات المدنيين على أسس إثنية. الفيديوهات التي خرجت من الفاشر بعد سقوطها تُظهر سكانًا يتوسلون للميليشيات بلا جدوى؛ أحد القادة صرخ في أحدهم قبل أن يطلق النار عليه: "لن أرحمكم. عملنا هو القتل فقط".

 

الكاتبة ترى أن ما يحدث لم يكن مفاجئًا. التحذيرات من مجازر وشيكة في الفاشر توالت منذ شهور، خصوصًا مع احتشاد نحو مليون نازح فيها. ومع تصاعد القتال، تحولت المدينة إلى نسخة مصغرة من إبادة دارفور قبل عقدين، لكن هذه المرة بأسلحة أثقل وطائرات مسيّرة ودعم خارجي ضخم. قوات الدعم السريع اليوم هي الجنجويد نفسها بثوب جديد، مدعومة بتمويل وسلاح من الإمارات التي تمدها بما يطيل أمد الحرب مقابل نفوذ اقتصادي وجيوسياسي في بلد غني بالذهب والموارد.

 

الإمارات، بحسب الصحيفة، تحصل على الجزء الأكبر من ذهب المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وتنفي أي دور لها رغم الأدلة الواضحة. دول أخرى انخرطت أيضًا في الصراع، لتتحول الحرب إلى شبكة مصالح متداخلة تُغذّي النزيف بلا نهاية. ويشير التقرير إلى أن أجهزة بريطانية حاولت التغطية على دور الإمارات، وأن أسلحة بريطانية الصنع وُجدت في أيدي المقاتلين.

 

تصف مالك الحرب بأنها ليست منسية بل مُتغاضى عنها عمدًا. التعامل مع مأساة السودان يعني مواجهة التواطؤ الدولي، ورؤية الوجه الحقيقي لسياسات القوى الكبرى التي تضع المصالح فوق الأخلاق. لا ضغط يُمارس على الدول الخليجية الداعمة للحرب لأنها حليفة وثيقة للغرب.

 

في النهاية، تؤكد الكاتبة أن العالم يشاهد المذبحة من الفضاء، حرفيًا ومجازًا، ومع ذلك يصمت. المسؤولية تقع على من يملكون النفوذ لوقف الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، لكنهم يختارون التواطؤ. سكان الفاشر محاصرون في ساحة قتل مفتوحة، وكل دقيقة تمر تكلّف أرواحًا جديدة.

 

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/nov/03/blood-spilled-sudan-el-fasher-space-rsf-uae-darfur